الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
.تفسير الآية رقم (5): {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5)}جَمْعاً مفعول ب فَوَسَطْنَ، أي فوسطن بركبانهن العدو، أي الجمع الذي أغاروا عليهم.وقال ابن مسعود: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً: يعني مزدلفة، وسميت جمعا لاجتماع الناس. ويقال: وسطت القوم أسطهم وسطا وسطة، أي صرت وسطهم. وقرأ علي رضي الله عنه {فوسطن} بالتشديد، وهي قراءة قتادة وابن مسعود وأبي رجاء، لغتان بمعنى، يقال: وسطت القوم بالتشديد والتخفيف وتوسطهم: بمعنى واحد.وقيل: معنى التشديد: جعلها الجمع قسمين. والتخفيف: صرن في وسط الجمع، وهما يرجعان إلى معنى الجمع..تفسير الآية رقم (6): {إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)}هذا جواب القسم، أي طبع الإنسان على كفران النعمة. قال ابن عباس: لَكَنُودٌ لكفور جحود لنعم الله. وكذلك قال الحسن. وقال: يذكر المصائب وينسى النعم. أخذه الشاعر فنظمه:وروى أبو أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الكنود، هو الذي يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده».وروى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ألا أنبئكم بشراركم»؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال: «من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده». خرجهما الترمذي الحكيم في نوادر الأصول. وقد روي عن ابن عباس أيضا أنه قال: الكنود بلسان كندة وحضرموت: العاصي، وبلسان ربيعة ومضر: الكفور. وبلسان كنانة: البخيل السيئ الملكة، وقاله مقاتل: وقال الشاعر: أي كفور. ثم قيل: هو الذي يكفر باليسير، ولا يشكر الكثير.وقيل: الجاحد للحق.وقيل: إنما سميت كندة كندة، لأنها جحدت أباها.وقال إبراهيم بن هرمة الشاعر: وقيل: الكنود: من كند إذا قطع، كأنه يقطع ما ينبغي أن يواصله من الشكر. ويقال: كند الحبل: إذا قطعه. قال الأعشى: فهذا يدل على القطع. ويقال: كند يكند كنودا: أي كفر النعمة وجحدها، فهو كنود. وامرأة كنود أيضا، وكند مثله. قال الأعشى: أي كفور للمواصلة.وقال ابن عباس: الإنسان هنا الكافر، يقول إنه لكفور، ومنه الأرض الكنود التي لا تنبت شيئا.وقال الضحاك: نزلت في الوليد بن المغيرة. قال المبرد: الكنود: المانع لما عليه. وأنشد لكثير: وقال أبو بكر الواسطي: الكنود: الذي ينفق نعم الله في معاصي الله.وقال أبو بكر الوراق: الكنود: الذي يرى النعمة من نفسه وأعوانه.وقال الترمذي: الذي يرى النعمة ولا يرى المنعم.وقال ذو النون المصري: الهلوع والكنود: هو الذي إذا مسه الشر جزوع وإذا مسه الخير منوع.وقيل: هو الحقود الحسود.وقيل: هو الجهول لقدره.وفي الحكمة: من جهل قدرة: هتك ستره.قلت: هذه الأقوال كلها ترجع إلى معنى الكفران والجحود. وقد فسر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معنى الكنود بخصال مذمومة، وأحوال غير محمودة، فإن صح فهو أعلى ما يقال، ولا يبقى لاحد معه مقال. .تفسير الآية رقم (7): {وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (7)}أي وإن الله عز وجل ثناؤه على ذلك من ابن آدم لشهيد. كذا روى منصور عن مجاهد، وهو قول أكثر المفسرين، وهو قول ابن عباس.وقال الحسن وقتادة ومحمد ابن كعب: وَإِنَّهُ أي وإن الإنسان لشاهد على نفسه بما يصنع، وروي عن مجاهد أيضا..تفسير الآية رقم (8): {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)}قوله تعالى: {وَإِنَّهُ} أي الإنسان من غير خلاف. {لِحُبِّ الْخَيْرِ} أي المال، ومنه قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً} [البقرة: 180].وقال عدي:{لَشَدِيدٌ} أي لقوي في حبه للمال.وقيل: لَشَدِيدٌ لبخيل. ويقال للبخيل: شديد ومتشدد. قال طرفة: يقال: اعتامه واعتماه، أي أختاره. والفاحش: البخيل أيضا. ومنه قوله تعالى: {وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ} [البقرة: 268] أي البخل. قال ابن زيد: سمى الله المال خيرا، وعسى أن يكون شرا وحراما، ولكن الناس يعدونه خيرا، فسماه الله خيرا لذلك. وسمي الجهاد سواء، فقال: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174] على ما يسميه الناس. قال الفراء: نظم الآية أن يقال: وإنه لشديد الحب للخير، فلما تقدم الحب قال: شديد، وحذف من آخره ذكر الحب، لأنه قد جرى ذكره، ولرءوس الآي، كقوله تعالى: {فِي يَوْمٍ عاصِفٍ} [إبراهيم: 18] والعصوف: للريح لا الأيام، فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم، طرح من آخره ذكر الريح، كأنه قال: في يوم عاصف الريح. .تفسير الآيات (9- 11): {أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)}قوله تعالى: {أَفَلا يَعْلَمُ} أي ابن آدم {إِذا بُعْثِرَ} أي أثير وقلب وبحث، فأخرج ما فيها. قال أبو عبيدة: بعثرت المتاع: جعلت أسفله أعلاه وعن محمد بن كعب قال: ذلك حين يبعثون. الفراء: سمعت بعض أعراب بني أسد يقرأ: {بحثر} بالحاء مكان العين، وحكاه الماوردي عن ابن مسعود، وهما بمعنى. {وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ} أي ميز ما فيها من خير وشر، كذا قال المفسرون.وقال ابن عباس: أبرز. وقرأ عبيد بن عمير وسعيد بن جبير ويحيى بن يعمر ونصر بن عاصم {وحصل} بفتح الحاء وتخفيف الصاد وفتحها، أي ظهر. {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} أي عالم لا يخفى عليه منهم خافية. وهو عالم بهم في ذلك اليوم وفي غيره، ولكن المعنى أنه يجازيهم في ذلك اليوم. وقوله: إِذا بُعْثِرَ العامل في إِذا: بُعْثِرَ، ولا يعمل فيه يَعْلَمُ، إذ لا يراد به العلم من الإنسان ذلك الوقت، إنما يراد في الدنيا. ولا يعمل فيه لَخَبِيرٌ، لان ما بعد إِنَّ لا يعمل فيما قبلها. والعامل في يَوْمَئِذٍ: لَخَبِيرٌ، وإن فصلت اللام بينهما، لان موضع اللام الابتداء. وإنما دخلت في الخبر لدخول إِنَّ على المبتدأ. ويروى أن الحجاج قرأ هذه السورة على المنبر يحضهم على الغزو، فجرى على لسانه: أن ربهم بفتح الالف، ثم استدركها فقال: لَخَبِيرٌ بغير لام. ولولا اللام لكانت مفتوحة، لوقوع العلم عليها. وقرأ أبو السمال إن ربهم بهم يومئذ خبير. والله سبحانه وتعالى أعلم..سورة القارعة: تفسير سورة القارعة وهي مكية بإجماع. وهي عشر آيات.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.تفسير الآيات (1- 3): {الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3)}قوله تعالى: {الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ} أي القيامة والساعة، كذا قال عامة المفسرين. وذلك أنها تقرع الخلائق بأهوالها وأفزاعها. واهل اللغة يقولون: تقول العرب قرعتهم القارعة، وفقرتهم الفاقرة، إذا وقع بهم أمر فظيع. قال ابن أحمر:وقال آخر: وقال تعالى: {وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ} [الرعد: 31] وهي الشديدة من شدائد الدهر. قوله تعالى: {مَا الْقارِعَةُ} استفهام، أي أي شيء هي القارعة؟ وكذا {وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ} كلمة استفهام على جهة التعظيم والتفخيم لشأنها، كما قال: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة: 1] على ما تقدم. .تفسير الآية رقم (4): {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4)}منصوب على الظرف، تقديره: تكون القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث. قال قتادة: الفراش الطير الذي يتساقط في النار والسراج.الواحد فراشه، وقاله أبو عبيدة.وقال الفراء: إنه الهمج الطائر، من بعوض وغيره، ومنه الجراد. ويقال: هو أطيش من فراشه. وقال:وقال آخر: وفي صحيح مسلم عن جابر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي».وفي الباب عن أبي هريرة. والمبثوث المتفرق.وقال في موضع آخر: {كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر: 7]. فأول حالهم كالفراش لا وجه له، يتحير في كل وجه، ثم يكونون كالجراد، لان لها وجها تقصده. والمبثوث: المتفرق والمنتشر. وإنما ذكر على اللفظ: كقوله تعالى: {أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20] ولو قال المبثوثة فهو كقوله تعالى: {أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ} [الحاقة: 7].وقال ابن عباس والفراء: {كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ} كغوغاء الجراد، يركب بعضها بعضا. كذلك الناس، يجول بعضهم في بعض إذا بعثوا. .تفسير الآية رقم (5): {وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)}أي الصوف الذي ينفش باليد، أي تصير هباء وتزول، كما قال جل ثناؤه في موضع آخر: {هَباءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: 6] واهل اللغة يقولون: العهن الصوف المصبوغ. وقد مضى في سورة {سأل سائل}.
|